قد تمر عليك الأيام وربما الشهور والسنوات وأنت تدافع عن رأي تعتقد أنه الصواب، ليتبن لك بعد أن بذلت في الدفاع عنه الكثير من الجهد والوقت أنه رأي غير صائب، وأن الرأي الذي قضيت سنوات من عمرك تحاول إثبات عدم صوابيته هو الصواب، وأنك أصبحت ملزما باعتقاده والدفاع عنه وأن تبذل ما في وسعك لإثبات صوابيته بقدر ما بذلت من قبل لإثباث إنه خطأ.
طبعا هذا أمر عادي ومتوقع ما دمنا نعتقد مسبقا أن الرأي الذي نعتقد أنه صواب من المحتمل أن يكون خطأ، والذي نعتقد أنه خطأ من المحتمل أن يكون صوابا، لكن الذي سنندم عليه ويجب أن نندم عليه كثيرا هو أننا لم نبذل من الجهد ما يكفي لنتأكد من عدم صوابية الرأي الآخر الذي كنا نخالفه ولم نتعامل معه بما يكفي من التركيز والتدقيق، بل رفضناه لمجرد أنه يخالف رأينا.
أما الذي يجب ألا نندم عليه أبدا هو أننا تبنينا لمدة طالت أو قصرت رأيا تبين لنا فيما بعد أنه خطأ، أو نعتقد أن تمسكنا بذلك الرأي ليس فيه خير، وأن ما بذلنا من جهد وأفرغنا من وسع في الدفاع عنه والعمل به قد ذهب سدى، بل يجب أن نتأكد بما لا يدع مجالا للشكل أن لذلك ثمارا طيبة قد لا نهتدي لمعرفتها، أو ربما لم نطلع عليها ولكنها موجودة.
مع التأكيد أنه حتى بعد أن تشكلت لدينا القناعة بأن ذلك الرأي الذي كنا نعتقد أنه صواب قد أصبح عندنا خطأ، أن تلك القناعة لا تجعل منه خطأ مطلقا ولا الرأي الذي تبنينا بعد ذلك هو الصواب المطلق، وإنما يبقى كلاهما يحتمل الصواب والخطأ.
وحتى لا نكرر أخطاءنا علينا ألا نستهين أبدا بأي احتمال مهما كان ضعيفا لصوابية أي رأي أو عدم صوابيته، بل علينا أن نأخذه دائما في الحسبان وعلى محمل الجد عند الحكم على الآراء المخالفة بالصوابية أو الخطأ، وأن يكون ذلك الاحتمال أرضية للبحث والتدقيق في تحري الصواب.
وللأسف فبعض الناس عندما يراجع أفكاره وتتغير عنده الآراء والقناعات تصبح الآراء التي تركها بالنسبة إليه خطأ ومن يتبناها إما غبي أو جاهل أو مصر على الضلالة، وأنه أصبح متأكدا حد اليقين أن الرأي الذي أصبح يتبناه هو الصواب المطلق الذي لا يأتية الخطأ من بين يديه ولا من خلفه.